اجتماعي

أنماط الشخصية الانسانية

مقدِمّة الانماط

السلوك البشري يغلفه الكثير من الغموض، فما تراه منطقيًا قد يبدو لغيرك ضربًا من الجنون، فاختلاف الشخصيات والأنماط يؤدي إلى تنوع طرق الحكم على الأمور. على سبيل المثال، الشخص الاجتماعي قد يجد صعوبة في فهم الشخص الانطوائي، مما يثير التساؤل: ما هو السلوك البشري الطبيعي؟ يهدف هذا الكتاب إلى مساعدتك في فهم نفسك وفهم من حولك، من خلال دراسة العديد من الأفكار حول السلوك البشري الطبيعي كما تطرحه نظرية الأنماط الشخصية الشهيرة MBTI.

ستتعرف في هذا الكتاب على كيفية تمييز البشر للأمور عبر الإدراك والتقييم وإصدار الأحكام، مما سيحسِّن من فهمك لميولك الطبيعية وكيفية تعبير هذه الميول عن نفسها من خلال سلوكك. كما ستكتشف كيفية تحديد وتنمية المناطق العمياء داخل شخصيتك. ستتعرف أيضًا على نظرية الأنماط الشخصية MBTI وتفهم الشخصيات الست عشرة التي تمثلها، وتحدد أي شخصية منها تنطبق عليك. فلننطلق معًا في رحلة جديدة لاستكشاف وتحليل وفهم شخصياتنا.

 النمط النفسي (السيكولوجي)

النمط النفسي حسب مفهوم “كارل يونغ” هو الطريقة التي نُظهِر بها اهتمامنا بالأمور، والتي تجعلنا نتخذ القرارات حول وعينا، بينما عادات السلوك هي تعابير النماذج الأصيلة للإدراك والحكم؛ المنقوشة داخل وعي كل شخص منا، ولأن العادات لا تتنبَّأ بسلوكياتنا أو استجاباتنا فهذا ينطبق أيضًا على النمط النفسي، فخبرات الشخص الحياتية ومتطلَّبات وضعهم الحالي، ومراحل نموِّهم من الطفولة إلى المراهقة إلى البلوغ، ومستوى ذكائهم كلها عوامل مؤثرة في السلوك بالإضافة إلى النمط النفسي، وقد فهم يونغ نمط الشخصية على أنه عادة من عادات العقل، وليس نموذجًا ثابتًا، وبالتالي من السهل تحطيمه، ولذا رغم أن هناك العديد من الناس المتحمِّسة لنظرية الأنماط، فإن الأنماط لا تغيِّر كل شيء، فإن لم تغيِّر عاداتك لن تستطيع تغيير نفسك.

ولأن النمط النفسي هو نتاج ميول وعادات العقل الذي يقولِب تعابيرنا، فهو يدور حول موازنة التصرُّفات والتوازن بدلالة الصحة الفكرية البشرية منهجًا وأسلوبًا، ويعدُّ النمط النفسي تعقيدًا يتسم بالفوضى يقدم لنا الخطوة الأولى فقط نحو فهمنا وفهم الآخرين، كما أن دراسة الأنماط تكشف النقاب عن المناطق العمياء بداخلنا وتظهر كيفية تأقلمنا وتجاوبنا مع العالم، ويمكن تعريف النمط على أنه نموذج قوي يفسِّر بنية عمليات عقولنا، وهو منقوش في نسيج شخصياتنا، وكل نمط يعبِّر عن التقدير والاهتمام بطرق مميزة، وفهمنا لأنفسنا وللآخرين سيساعدنا على تقدير الآخرين تقديرًا حقيقيًّا، وكي نفهم الآخرين لا بد أن نفهم أنفسنا أولًا ونكون واعين لها، معترفين بها.   

ينبِّئنا النمط النفسي بأن هناك نموذجًا داخل كل شخص منا ندرك بواسطته العالم وكيف نتفاعل معه وننخرط فيه، وكما تختلط جميع الحواس لدينا من شمٍّ ونظر وتذوُّق لتعطينا تعريفًا لشيء ما، كذلك تتحد ميولنا النمطية وخبرتنا لتكوِّن شخصيتنا الحالية، وكان أول من تحدَّث عن الأنماط بشكلها الحالي هو عالم النفس السويسري كارل يونغ، وتحظى نظريته الأنماط الشخصية MBTI بشهرة واسعة، وفهم النمط يعني القدرة على سماع تعبيرات الناس دون لوم أو إصدار للأحكام، وعندما نتوقَّف عن الادعاء أن ما نسمعه أو نراه أمر نعرفه حتمًا، سنستطيع فهم الناس بشكل أفضل، ونسألهم إن كان لدينا شك في عدم فهمنا للمعنى من المرة الأولى، والسؤال والإصغاء يولدان تواصلًا أكثر فاعلية.

نظرية الأنماط MBTI

نظرية يونغ تتركَّز على أربعة محاور، أولها: الطاقة، فالتوجُّه الأساسي للطاقة النفسية ينقسم إلى قسمين: قسم باتجاه العالم الداخلي أي الانفتاح “E”، وقسم باتجاه العالم الخارجي أي الانغلاق “I”، والمنفتحون هم الأشخاص النشطاء الذين يسعون وراء التغيير والتفاعل، ويكونون بحاجة إلى التحفيز، بينما المنغلقون هم الذين ينشطون خارج الوعي، ويركِّزون على عالم الأفكار الداخلية، وهم يتلقَّون المحيط ويتأمَّلونه، ولمعرفة إذا كنت شخصًا منغلقًا أم منفتحًا فاسأل نفسك: أين تشحن بطاريتك في معظم الأوقات؟ هل تذهب إلى الخارج، أم تظل بمنزلك؟ ثم اكتب في ورقة الرمز الذي يشير إليك، فمثلًا إن كنت انطوائيًّا اكتب رمز الانطواء وهو “I”.

وثانيها: الإدراك، وله علاقة بكيفية إدراكنا للمعلومات وبنوعية المعلومات التي تكون جذابة بالنسبة لنا، وينقسم إلى إدراك حسي “S”، وإدراك حدسي “N”، الإدراك الحسي هو الانشداد نحو الأمور الواقعية الحسية الملموسة، والشعور بالاندفاع نحو الوضوح، بينما الإدراك الحدسي يجذب من يستخدمون المجاز وتشدهم الأفكار، ويشعرون بالاندفاع لاكتساب المعرفة والبحث عن الأمور المعقَّدة، وينظر إليهم على أنهم خياليون وغير تقليديين، وهم أناس يركِّزون على المستقبل، ولمعرفة كيفية إدراكك للأمور، قم بسؤال نفسك: هل تجذبك المعلومات المؤكَّدة والحقائق الحسية، أم أنك تميل أكثر إلى المستقبل والأحلام والنظريات والأفكار؟ ثم قم بتدوين إلى أي نوع تميل.

وثالثها هو: إصدار الحكم، فهل تصدر أحكامك بناءً على مشاعرك “F”، أم أفكارك “T”؟ فمن يعتمدون على التفكير ينظر إليهم على أنهم منطقيون وكثيرو التساؤل، بينما من يعتمدون على الشعور ينظر إليهم على أنهم عاطفيون ومتقبِّلون للآخرين، واسأل نفسك كيف تتخذ قراراتك؛ هل تعتمد على المنطق والتفكير أم تميل إلى الشعور؟ ولا تنسَ تدوين إلى أي نوع تنتمي.

ورابعها هو: التكيُّف، وذلك عن طريق الحكم “J”، والإدراك “P”، فالحكم يعني أنك شخص صارم مع نفسك، بينما الإدراك يعني أنك شخص مرن، واسأل نفسك: كيف يراك الناس؟ هل أنت صارم ومن الصعب عليهم مناقشتك، أم أنك مرن وتبقي على جوٍّ من المرونة نحو ما يحدث معك؟ وبعد انتهائك من إجابة الأسئلة وتجميع إجاباتك ستعرف نمطك، والذي يتكوَّن من أربعة أحرف، فإن كنت شخصًا اجتماعيًّا حدسيًّا عاطفيًّا صارمًا سيكون نمطك ENFJ، وهو أول حرف من كل صفة ذكرتها. 

الأنماط الانطوائية

سبق أن رمزنا إلى الانغلاق “I”، والانفتاح “E”، والحس “S”، والحدس “N”، والشعور “F”، والتفكير “T”، والحكم “J”، والإدراك “P”، وعند خلط هذه الحروف معًا ينتج لنا ستة عشر احتمالًا مكوِّنة بذلك أنواع الشخصيات الموجودة في النظرية، وستجد أن ثمانية من هذه الأنماط تبدأ برمز “I”، وهذه هي الأنماط الانطوائية، وسنتناولها بالشرح: أول نمط هو ISTJ، وإن تُرجِمت الأحرف ستجد أنه شخص انطوائي حسي منطقي صارم، وهو واقعي، عميق التفكير، يختبر الأفكار بالحقيقة، يصعب إرضاؤه ولا يحب المظاهر، يمتاز بدقة في التفاصيل التي تؤدي إلى الوضوح، ويفضِّل التعبير عن المعلومات بطريقة هادئة حريصة، ولتجنُّب النقاط العمياء بداخله يجب عليه أن يتعلَّم كيف يثق بالصوت داخله، ويتعلم طرق اتخاذ القرارات المتعددة.

وثاني نمط هو ISTP، وهو شخص انطوائي حسي عقلاني مرن، وهو غامض دقيق وشامل يميل إلى الاستقلال، ربما يراه البعض باردًا، ولكن تلك هي طبيعته، فهو لا يهتم بالعواطف أو الخيال، وثالث نمط هو INTJ، وهو شخص منطوٍ حدسي منطقي صارم، يرهق نفسه بأحاديثه داخل رأسه، وتأمُّلي مستقل يرى الصورة الكبيرة، واسع الحيلة ويمتلك التصميم والعزيمة، ورابع نمط هو INTP، وهو شخص منطوٍ حدسي عقلاني مرن، وهو تحليلي عبقري يعشق حل المشاكل والعقد، يريد ردود فعل واضحة مباشرة ومحدَّدة، ولا يتعامل إلا بالأرقام والحقائق والمنطق.


وخامس نمط هو ISFJ، وهو شخص منطوٍ حسي عاطفي صارم، يحب النظام والألقاب ويريد فهمًا دقيقًا للحقائق قبل التصرُّف، متعاطف مع من حوله وعميق التفكير بهم، ونادرًا ما يعبِّر عن احتياجاته، وسادس نمط هو ISFP، هو شخص انطوائي حسي عاطفي مرن يمتاز بقدرته على ضبط نفسه يحب الهدوء والتركيز، وأصحاب هذا النمط يمتازون بحسهم الفني المرهف ومشاعرهم الرقيقة، وسابع نمط هو INFJ، وهو شخص انطوائي حدسي عاطفي صارم، يتجنَّب النزاعات، ويميل إلى الهدوء، وحاسم القرار ويهتم بدائرته المقربة، وثامن نمط هو INFP، وهو شخص منطوٍ حدسي عاطفي مرن، وهو انفعالي متحفِّظ، يحب تسهيل النقاشات، يعيش في عالم خاص به يجذبه التعقيد، وهو الضمير الحي في مجموعته، وقد يحتاج النظر إلى الحقائق بغض النظر عن معناها الشخصي

الأنماط الاجتماعية

هي الأنماط الثمانية الأخرى التي تكون بدايتها بحرف “E”، وهم أشخاص اجتماعيون يحبُّون الوجود مع الآخرين، وأول نمط هو ESTJ، وهو شخص اجتماعي حسي عقلاني صارم تنافسي، يحب إنجاز العمل بشكل صحيح، ويمتلك شعورًا بالاستعجال، ويتكيَّف مع الوقائع، وفصيح وموثوق، ويحب التحليل النقدي، ويميل هذا النمط ليصبح مشرفًا على الآخرين، ويركِّز على الحقائق المادية، ويرى العواطف والمشاعر والخيال مجرد تضييع للوقت، والنمط الثاني هو ESTP، وهو شخص اجتماعي حسي عقلاني مرن نشيط يتعلَّق باللحظة الراهنة، يحافظ على التواصل، ويكره الجدال والنقاش، وقادر على التكيف على مختلف الأوضاع، ويحب الدخول في صلب الموضوع مباشرةً.

وثالث نمط هو ENTJ، وهو شخص اجتماعي حدسي عقلاني صارم فضولي منصف، يحب الضبط والسيطرة، وصريح ولا يؤجِّل، نشيط وحيوي، ويسعى وراء التنويع، يركِّز على المستقبل، ولديه ميل فطري إلى القيادة لقدرته على رؤية موضع العطب، والقيام بإصلاحه، وأصحاب هذا الشخصيات يناسبهم الدور القيادي، والنمط الرابع هو ENTP، وهو شخص اجتماعي حدسي عقلاني مرن، يحب التغيير والتعلم ويكره الرتابة، وبارع ومبدع ومغامر، وتظهر عليه الحماسة، ويعدي بها من حوله، يحب التحديات والفوز، ولديه قدرة كبيرة لفهم كيفية عمل أي نظام، والنمط الخامس هو ESFJ، وهو شخص اجتماعي حسي عاطفي صارم، ملتزم ومتفانٍ تجاه الآخرين، يولي اهتمامًا بالتفاصيل، وواقعي وثرثار ولطيف التعامل، يحب الترتيب وينظر إليه على أنه محبٌّ للتجمُّعات، ويحب مساعدة الناس والعطاء، ولا يريد سوى التقدير.

وسادس نمط هو ESFP، وهو شخص اجتماعي حسي عاطفي مرن، يستمتع بالتسلية واللعب الجسدي، يركِّز على ما هو فوري ومباشر، ويجد الطريقة السهلة للقيام بالأمور الصعبة، يحب الحقائق ويستطيع إيجاد الجمال في كل شيء، ويعشق الطبيعة، وسابع نمط هو ENFJ، وهو شخص اجتماعي حدسي عاطفي صارم، دافئ ودود، يريد أن يكون موضع ثقة، وحساسًا تجاه النقد، يبني جسور الصداقة مع الناس، ويحاول أن يشعرهم بأهميتهم وبالارتياح لوجودهم معه، وقد يأخذ النقد على محمل شخصي، ويستمتع بمساعدة الجميع، والنمط الثامن هو ENFP، وهو شخص اجتماعي حدسي عاطفي مرن، لديه فضول لا يُشبَع، دبلوماسي ويحب تفتيت الأفكار، وعفوي يتحدَّى الأنظمة والقواعد، ويعمل بشكل جيد تحت الضغط، ويجيد قراءة ما بين السطور

ديناميكية الأنماط

تعلُّم النمط السيكولوجي يزودنا بمجرد صورة باهتة للطرائق الفكرية، ولذا يجب علينا معرفة ديناميكية الأنماط وطريقة عملها، وتقول نظرية الأنماط إن سبب عدم قدرتنا على الوصول إلى الوظائف والمواقف الفكرية في آنٍ واحد هو أننا نستخدم الوظائف الفكرية حسب ترتيب معين، فالوظيفة الأكثر استخدامًا تُسمَّى “المهيمنة”، كميل الشخص إلى الانفتاح أو الاجتماعية، والوظيفة الفكرية الثانية هي المساعدة، وهي عكس المهيمنة، فإن كانت المهيمنة منفتحة ستكون المساعدة منغلقة، والوظيفة الثالثة هي الثُّلثية، والوظيفة الرابعة هي الأدنى، وتكون خارج نطاق وعينا. 

الأسلوب المهيمن هو القائد وقبطان السفينة، وهو الأسلوب الفكري الذي ندركه أكثر من غيره ونعتمد عليه، وفي الأفراد الأصحاء هو الأكثر تطورًا، بينما يعمل الأسلوب المساعد على دعم الأسلوب المهيمن، وهو عادةً ما يكوِّن وعينا خلف الكواليس، فإن كان الأسلوب المهيمن لدى شخص ما هو إصدار الأحكام نجد أن الأسلوب المساعد يكوِّن الإدراك، ويعمل عن طريق مساعدة الشخص على تغذية أسلوب إصدار الأحكام لديه، إما بالأفكار أو بالمعلومات، ورغم أننا نكون أكثر وعيًا بالوظيفة المساعدة حين تعمل فإنها موجودة دائمًا، وعدم وعينا بها قد يؤدي إلى سوء الفهم.

الوظيفية الثلثية تشرح أنواعًا مختلفة من الاستجابات التي نبديها في موقف ما، وتستخدم بين الحين والآخر، وهي مختلفة عن الأسلوب المهيمن أو المساعد، بينما الوظيفة الأدنى أو الدنيا هي الوظيفة الأقل استخدامًا، فهي قلما تساعد وتستخدم في الحياة اليومية، أو لا تستخدم بشكل واعٍ على الأقل، ولكنها ليست تافهة أو يعوزها النشاط،

والوظيفة الأدنى هي المراقب القاسي كثير المطالب، ويمكنك تسميتها بالمعلم الخفي، وتعلُّم استخدامها ضروري من أجل توازن النفس، وهي تمتلك قدرًا كبيرًا من الإدارة المستقلة، ذلك لأنها تقع تحت أقل قدر من ضبط الوعي لها، وتظهر الوظيفة الدنيا للسطح لتقود تصرفاتنا وسلوكنا وتنتهز فرصتها للظهور من عالم اللا وعي المظلم عندما تكون متعبًا أو تحت ضغط لتبلغك بوجود خلل ما بحاجة إلى أن يتم إصلاحه، ويمكن اختصار وظيفة الأدنى في كونه المعلم الطبيعي الذي يذكرك دومًا عندما تستنفد طاقتك، وهو الذي يريك دوربًا جديدة للتطور.

وختامًا

ثمة خفايا تثبت التماثل بين الناس في وقت تكون اختلافاتهم كثيرة، وفي مجال تقييم الشخصية سيكون من الخطأ أن نقع فريسة ادِّعاء أن الأنماط يمكنها توقُّع السلوك والتفوق والنجاح، لأن هدف الأنماط هو جعل الفرد واعيًا بنفسه وحينها يستطيع استخدام ما يبرع فيه بشكل جيد، وليس وضع الناس ضمن قوالب جامدة، وبسبب سهولة استخدام النمط النفسي قام العديد من الناس باستخدامه بطرق خاطئة، فقد صاروا يصنِّفون بسرعة سلوك الآخرين والمجموعات الأخرى، وقد أدى ذلك إلى استخدام النمط بشكل مفرط، موجدًا بذلك حواجز أمام التفاهم بدلًا من إزالتها، ويفترض بالنمط أن يبني جسورًا بيننا وبين الآخرين لا أن يهدمها

مقالات ذات صلة