أخباراجتماعي

عمى التحيزات الذكورية تجاه “الحكيمة الشرقية”

عملت في مجال كتابة قصص الأطفال والقصص القصيرة للبالغين لما يقارب الثمان سنوات، ولي تسع عشرة مؤلفة، لم تأخذ شهرتها في الانتشار بالشكل الجيد، ربما لتراجعي عن مواكبة التطورات في التِقَانَة وغيرها وتوقفي اليوم تماماً عن كتابتها.  وما بين قصص الأطفال و قصص البالغين، برز أمامي ذلك البيّن الشاسع الذي جعلني أدرك ما معنى التحيز النوعي و صعوبة أن تقدم المرأة وجهة نظر حول الحياة وما معنى أن يتم قولبتها في منظور واحد لا يتغير من قبل سيد العالم الدنيوي “الذكر”. هناك معضلة حقيقية تعانيها الأنثى إذا ما حاولت أن تقدم عمل ذو قيمة خالدة أو حتى فكرة بسيطة قد تغير مجرى الأمور، بل اللعبة كاملاً.

في هذا المقال سوف اشرح تجربتي الشخصية والتي قد تعكس ولو جزء بسيط من هذه المعضلة.

حينما اكتب قصة للطفل،  يقرؤونها ليستمتعوا بها ولابد لهم أن يستخلصوا الحكمة منها. في حين أن الآباء والأمهات يطلعون عليها  ليطمئنوا على المحتوى الذي يقدمانه لصغارهم.

  خلال قراءتها لا يهتم القارئ الطفل أو حتى البالغ  بتحليل شخصية الكاتب انطلاقًا من كتاباته، ولا يحاولون أن يجدوا من يمثله داخل القصة هل هو الفيل” الكسلان”، أم هو سيد المِرِّيخ، أم هو الأرنب المشاكس أو القنفذ الجائع! يستطيعون ببساطة وبديهية اكتشاف الحكمة وفهم الفكرة غير مجزئة أو حتى مشخصة.

ولكن الأمر اختلف كليا حينما بدأت بكتابة القصص القصيرة للبالغين، هذه المرة لن يبحثوا عن الحكمة أو الرسالة أو الفكرة كليًّا، أو حتى القراءة للاستمتاع الذهني. أتكلم بالطبع عن الرجل الذي حدد لنفسه قواعد للعبةٍ لا يستطيع الخروج أو حتى التفكير بأنه يمكنه الخروج منها والانطلاق لأبعاد أخرى غيرها والتي تجعله يتورط لا شعوريا في التحيز النوعي. قد يتشدق بثقافته ولغته الجزلة، و يدعي امتلاكه لشهادات والقاب،  وإن تشدق أيضاً بمعرفته حول التاريخ وعظمة النساء، فإنه في النهاية يقع في فخ التفكير اللاموضوعي حينما يتعلق الأمر بالمرأة العاملة أو الكاتبة. 

يمكنك ان تقرأ ايضا اسرار عقل المليونير

فيبدأ في البحث عني ومحاولة قولبتي في شخوص محددة داخل القصص، يختار هو منها ما يمثلني، لإشباع فضوله الذكوري تجاه المرأة(اللغز) بالنسبة له التي هي أنا هنا، كذلك لإشباع خيالاته الغريزية التي تغلب تفكيره الموضوعي في النهاية. سيعتقدون أنني(سناء) الراقصة. أو ربما (مرام )المومس أو (زهرة). لقد بدأ العقل الموضوعي في التراجع، وبدأت التحيزات المنطلقة من الخلفية النفسية الذكورية تتسلل خلال الكلمات والنقد اللاموضوعي. وانتقل العقل من محاولة استنباط الحكمة، إلى شخصنة القصة ومحاولة تحليل شخصية الكاتب وتحديد توجهه الفكري من أجل الاطمئنان لا شعوريا  فيما إذا كان يناسب خيالاته  أو حتى منطقه، و حتى يطمئن  لا شعوريا أيضا أنه ما يزال سيد الخبرة والحكمة والغلبة فكرياً.

ومن أجل أن أكون أكثر إنصافا، وبسبب إقناع الكثير من النساء بوجهة نظر الرجل حول المرأة، بأنها ناقصة تجارِب في الحياة بالتالي ناقصة عقل كون عالمها محصور حول اربع حيطان ومجتمع يتم تنقيته لها بعناية من قبل الرجل على عكسه هو الذي يمتلك عالم واسع من المعرفة والتجربة. لذا فهي الأخرى ليست بعيدة عن الرجل الناقد اللاموضوعي حينما يتعلق الأمر بالكاتبة المرأة. 

حينما تشاهد فيلم سينمائي، أي فلم، لا تهتم أبداً في البحث عن شخصية المخرج أو حتى الكاتب خلال الفلم، ستحاول بكل بساطة الاستمتاع أولا، محاولة فهم مغزى الأفكار بداخل الفلم، أخيرا استنباط الحكمة كفكرة كُلْيَة. لن يهمك ما إذا كان الكاتب أنثى أم ذكر، امرأة عزباء أم متزوجة.

أتساءل في نفسي، ماذا لو كتبت شخصيات خيالية كالحيوانات والمخلوقات الفضائية. ربما سيكون الأمر افضل حال.

أتفهم شعور الحكيم الهندي بيدبا حينما كتب قصصه والتي تم ترجمتها الى العربية باسم كليلة ودمنة  واستعان بالحيوانات ليصرف عقل الحاكم من التفكير اللاموضوعي ويجره من تحيزاته السياسية إلى التفكير الموضوعي من اجل أن يستنبط الحكمة وبالتالي يخرج بفائدة فكرية.ربما أن التاريخ لم يكن دقيق وكانت الكاتبة امرأة!،  لم يكن لديها خيارا أخر من اجل لفت انتباه الذكور إلى الحكمة التي تريد إيصالها سوى الاستعانة بالحيوانات حيث لا يمكن أن يجسدها هو في أي من تلك الشخصيات، وعلى العكس سيستطيعون استنباط الحكمة بكل بساطة وسلاسة.

ورغم كثافة التوقعات والاحتمالات  والتنوع الفكري والثقافي والجسماني الذي يحمل في طياته احتمال أن تكون وجهات النظر حول هذا  الموضوع أو ذاك صحيح فلا استطيع تعميم تجربتي، وشعوري، بل ونظرتي للأمور حولي، فليس كل الذكور يفتقرون الى التفكير الموضوعي . ولا يمنع حقيقة أن تكون رغبة بعض الكاتبات حقا في أن تكسب بالكتابة طريقة تكاثرية  لجذب الذكور إليها لا شعوريا. بالتالي محاولة تحليل شخصيتها أو شخصنتها واردة جداً. فالحياة كلها مظهر من مظاهر التكاثر في النهاية بكل تفرعاتها الابداعية.

لقد عانت أوروبا والى وقت ليس ببعيد من هذه المعضلة التي جعلت المرأة غائبة تماماً عن مشهد الاختراعات و الإنجازات والبحوث حتى في جوائزهم وتكريمهم وإعلامهم.كانت دائما يجب أن تقف مسافة محددة خلف رجل!. 

 هناك مساعي حثيثة  حديثًا في معالجة هذه المشكلة حيث بدأ إحياء وتخليد ذكراهن وإنصافهن يأخذ الكثير من الاهتمام.  بل إن المجتمع هناك قد أدرك اخيراً أهمية الحفاظ على هذه القوة المتزنة بين الطرفين من اجل استمرار قوتهم أمام التحديات الدولية والاقتصادية، فلا تطغى هي ولا يطغى هو، أما في الشرق، نستثني بعض الدول العربية التي تسعى إلى ذلك أيضا كالأمارات والسعودية وبعض دول الخليج.

كيفية مكافحة التحيز اللاواعي بين الجنسين

ليس هناك من ينكر تأثير التحيز النوعي على كل مظاهر الحياة سواء للذكر او الانثى. يمكن أن يكون للمعاناة من التحيز النوعي تأثير كبير على التقدم الوظيفي للمرأة والرضا العام عن وظيفتها أو حتى احيانا الرجل.

هناك طرق لمكافحة هذا التحيز ووضع الحياة المهنية على المسار الصحيح. ففهم التحيز اللاواعي بين الجنسين هو الخطوة الأولى، كما أن معرفة مخاطر التشخيص المتحيز نوعيا يعد أمرًا أساسيًا. بمجرد أن تفهم هذه المفاهيم، ستكون قطعت شوط كبير في طريقك الى التجرد والى حياة اكثر انصاف.

سناء عبدالله

مقالات ذات صلة